هشاشة العظام.. تهدد الرجال أيضًا

تُعتبر هشاشة العظام من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا وتأثيرًا على جودة حياة الإنسان، إذ تتميز بفقدان الكتلة العظمية وزيادة هشاشة العظام مما يجعلها عرضة للكسور بسهولة حتى مع الإصابات البسيطة أو حتى الحركات العادية. رغم الاعتقاد السائد بأن هشاشة العظام مرض يصيب النساء بشكل أساسي، خصوصًا بعد انقطاع الطمث، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الرجال ليسوا بمنأى عن هذا المرض وأنهم معرضون لخطر هشاشة العظام ومضاعفاتها بدرجة لا تقل عن النساء، بل قد تكون الخطورة لدى بعض الفئات منهم مرتفعة للغاية.

طبيعة هشاشة العظام وأسبابها

هشاشة العظام هي حالة تتسم بانخفاض كثافة العظم وتدهور بنيته الميكروسكوبية، مما يؤدي إلى ضعف القوة الهيكلية للعظام. يتسبب ذلك في زيادة قابلية العظام للكسور، خصوصًا في مناطق الحوض، المعصم، والعمود الفقري. تتطور هشاشة العظام ببطء وعلى مدى سنوات طويلة، ولا تظهر عادة أعراض واضحة حتى وقوع الكسور.

العوامل المؤدية لهشاشة العظام لدى الرجال

تتعدد الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى هشاشة العظام لدى الرجال، وتتضمن:

• التقدم في العمر: مع التقدم في السن، يقل إنتاج هرمون التستوستيرون، وهو الهرمون الذكري الأساسي، ويؤدي نقصه إلى انخفاض تكوين العظام وزيادة تكسيرها.

• نقص فيتامين د والكالسيوم: يلعب فيتامين د دورًا هامًا في امتصاص الكالسيوم، ومن ثم المحافظة على صحة العظام. نقصه يؤثر سلبًا على العظام.

• الأمراض المزمنة: مثل أمراض الكبد والكلى، وأمراض الجهاز الهضمي التي تؤثر على امتصاص الغذاء.

• تناول أدوية معينة: مثل الستيرويدات القشرية (الكورتيكوستيرويدات) التي تسبب فقدان العظام عند استخدامها لفترات طويلة.

• نمط الحياة: التدخين، الإفراط في تناول الكحول، وقلة النشاط البدني تزيد من خطر الإصابة.

• العوامل الوراثية: تاريخ عائلي لهشاشة العظام يرفع من احتمالية الإصابة.

هشاشة العظام عند الرجال: الواقع والإحصائيات

تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 20% من حالات كسور الورك تحدث عند الرجال، وأن نصف الرجال الذين يعانون من كسر في الورك يموتون خلال سنة واحدة نتيجة مضاعفات هذا الكسر. كما أن الرجال المصابين بهشاشة العظام غالبًا ما يعانون من مضاعفات أكثر حدة مقارنة بالنساء.

علاوة على ذلك، يعاني الرجال من تأخر في التشخيص مقارنة بالنساء، حيث أن الوعي بحدوث هشاشة العظام عند الرجال أقل، وغالبًا ما يتم اعتبار هشاشة العظام مرضًا نسائيًا. هذا التأخر يزيد من نسبة الكسور ويؤدي إلى تدهور الصحة العامة.

الأعراض والعلامات في الرجال

تكون أعراض هشاشة العظام خفية في المراحل المبكرة، لكنها تبدأ بالظهور تدريجيًا وتشتمل على:

• آلام عظمية مزمنة: خاصة في الظهر أو الحوض.

• انخفاض في الطول: بسبب انضغاط الفقرات.

• تشوهات في العمود الفقري: مثل انحناء الظهر.

• كسور متكررة: حتى بعد إصابات طفيفة.

هذه الأعراض تدل على تقدم المرض وضرورة التدخل العلاجي الفوري.

التشخيص والاختبارات اللازمة

التشخيص المبكر لهشاشة العظام يلعب دورًا رئيسيًا في الحد من مضاعفات المرض. يعتمد التشخيص على:

• قياس كثافة العظام (DEXA Scan): هو الاختبار الأكثر دقة لتحديد مستوى الكثافة العظمية.

• الفحوصات المخبرية: لقياس مستويات الكالسيوم، فيتامين د، ووظائف الكبد والكلى.

• التاريخ الطبي والعائلي: مهم لتقييم عوامل الخطر.

يُنصح الرجال، خصوصًا فوق سن الـ 50 أو ممن لديهم عوامل خطر، بالخضوع لفحوصات دورية.

الوقاية من هشاشة العظام عند الرجال

تتطلب الوقاية التزامًا بنمط حياة صحي يركز على تقوية العظام والحد من العوامل المسببة لفقدان العظام. تشمل الإجراءات الوقائية:

• تناول كميات كافية من الكالسيوم وفيتامين د: يوصى للرجال البالغين تناول 1000-1200 ملغ من الكالسيوم يوميًا و 600-800 وحدة دولية من فيتامين د.

• ممارسة الرياضة بانتظام: خصوصًا التمارين التي تحمل وزن الجسم مثل المشي، الركض، وتمارين المقاومة التي تحفز بناء العظام.

• تجنب التدخين والكحول: حيث أن كلاهما يضعف العظام ويقلل من فعاليتها.

• الحفاظ على وزن صحي: الوزن المنخفض جدًا يرتبط بخطر هشاشة العظام.

• المتابعة الطبية الدورية: خاصة لمن لديهم عوامل خطر أو أمراض مزمنة.

العلاج الدوائي لهشاشة العظام عند الرجال

عندما يتم تشخيص هشاشة العظام، يمكن اتباع العديد من الخيارات العلاجية التي تهدف إلى تقليل فقدان العظام وزيادة كتلتها. تشمل الأدوية:

• مثبطات امتصاص العظم (Bisphosphonates): مثل أليندرونات ورزيدرونات، تعمل على تقليل نشاط الخلايا المسؤولة عن تكسير العظام.

• العلاج الهرموني: يستخدم في بعض الحالات نقص هرمون التستوستيرون لتعويض نقصه.

• محررات مستقبلات الإستروجين الانتقائية: تستعمل أحيانًا لدعم العظام.

• العلاج بواسطة الكالسيتونين: هرمون يساعد على تقليل فقدان العظام.

• الأدوية الحديثة: مثل denosumab التي تُعطى عن طريق الحقن وتساعد على تقليل تكسير العظام.

يجب أن يكون العلاج مصحوبًا بنمط حياة صحي ومتابعة دورية مع الطبيب.

مضاعفات هشاشة العظام وتأثيرها على الرجال

الكسور الناتجة عن هشاشة العظام تسبب تأثيرًا كبيرًا على حياة الرجل، إذ تؤدي إلى:

• الإعاقة الدائمة: خصوصًا كسور الفخذ التي قد تؤدي إلى فقدان القدرة على المشي.

• الألم المزمن: الذي يحد من النشاطات اليومية.

• الوفاة المبكرة: بسبب المضاعفات المرتبطة بالكسور، مثل الالتهاب الرئوي أو تجلط الدم.

• تدهور الصحة النفسية: معاناتهم من الألم والاعتماد على الآخرين قد يؤدي إلى الاكتئاب والعزلة الاجتماعية.

هذه المضاعفات تؤكد أهمية التشخيص المبكر والعلاج الفعال.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين هشاشة العظام لدى الرجال والنساء من حيث عوامل الخطر، التشخيص، والمضاعفات:

الخلاصة

هشاشة العظام ليست مرضًا يقتصر على النساء فقط، بل يشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة الرجال خاصة مع تقدمهم في العمر وظهور عوامل الخطر المختلفة. الوعي بوجود هذا المرض عند الرجال وتطبيق استراتيجيات الوقاية والتشخيص المبكر هما السبيلان الرئيسيان للحد من مضاعفات المرض وتحسين جودة حياة المصابين. يتطلب الأمر نهجًا متكاملاً يشمل نمط حياة صحي، تغذية متوازنة، ممارسة الرياضة بانتظام، والمتابعة الطبية الدورية، مع الاستفادة من العلاجات الدوائية المتاحة. التعامل الجاد مع هشاشة العظام لدى الرجال سيقلل من معدلات الكسور والإعاقة والوفاة المرتبطة بهذا المرض المزمن.

المصادر والمراجع:

1. NIH Osteoporosis and Related Bone Diseases National Resource Center. “Osteoporosis in Men.” https://www.bones.nih.gov/health-info/bone/osteoporosis/overview/osteoporosis-in-men

2. International Osteoporosis Foundation. “Facts and Statistics on Osteoporosis and Fragility Fractures.” https://www.iofbonehealth.org/facts-statistics